عينٌ تجودُ وأُخرى أمسَكَت فَزَعا = والقلبُ مُضطرِبٌ مِن هَولِ ما وقَعَ
والناسُ في سَكَرٍ، تَغشاهُمُ كُرَبٌ = لشدَّ ما سَمِعُوا حينَ المُنادِ نَعى
تردَّدَ النعيُ إذ لا مُجيبَ له = غير السكون يُجيبُ النائحَ الهَمِعَ
«ماتَتْ إيمانُ»! فيا حُزنًا لما قالُوا! = يا حُزنَ ما نطَقُوا، يا حُزنَ ما سُمِعَ
«ماتَتْ إيمانُ» فأضحى العقل في ذهَلٍ = تغشاهُ غاشيةٌ، كأنَّما صُرعَ
لما أفاقَ إذا بالشَّمسِ قد غرَبَتْ = ووُسِّدَتْ لَحدًا في السَّما اصْطُنِعا
والبَدرُ في فلَكِ الأَفلاكِ مُحتجِبٌ = لمَّا رأى «القمَرَ» في الناسِ قد هجَعَ
وعَمَّنا ليلٌ غشيَ النهارَ كَما = غطَّى ضياؤكِ نورَ الشمسِ فامتُقِعَ
كنتِ الأنيسَ لقلبٍ مُوحشٍ قَلِق = نابَتْهُ نائبةٌ ألقَتْهُ مُجتَزعا
نعمَ الجليسُ ونعمَ الناطقُ البَسِمُ = كأنَّما المِسكُ مِن قَولِكُم صُنِعَ
كنتِ الحياةَ وكنتِ النُّورَ مِن ظُلمٍ = يا ويحَ قلبِ الفتى إنْ نائبٌ سَرُعَ
وكفُّكِ اليُمنَى كمْ طمأَنَتْ قَلبًا = وكمْ أسَتْ حَزِنًا ومسَّحَتْ دَمعًا
والقَلبُ مُمتلئٌ بالهُدى دَومًا = يَفيضُ بالبرَكاتِ حيثُما نَجَعَ
بالخَيرِ سابقةٌ، بالفَضلِ قائمةٌ = بالجُودِ كفُّكمُ ملأى لمَنْ ضَرَعَ
بشوشةُ أبدًا، ما قطَّبَتْ يومًا = وَصُولةُ الرحِمِ مهما قد انقَطَعَ
حياؤها ثوبٌ به قدِ الْتحَفَت = والقلبُ مُحترِزٌ عن كلِّ ما مُنعَ
ما أغضبَتْ زَوجًا، ما خاصمَتْ أحدًا = ما فرَّقَتْ ألِفًا بإلفهِ اجتَمَعَ
يا خيرَ ما جُبِلَتْ عليهِ مِن خُلُقٍ = بالحَقِّ قد وُصفَت، والشِّعرُ قد جَزِعَ
ما زلتُ أَذكُرُكم، لم أنسَكُم أبدًا = والقلبُ يُبصِرُكم في كلِّ ما سطَعَ
تَمضي السُّنونَ بنا، والشوقُ هيَّجَني = والقلبُ مُرتقِبٌ أُنسَ اللِّقاء معا
فالموتُ يَجمعُنا مِن بَعد تَفرِقَة = واللهُ يَحشُرنا معْ سيدِ الشُّفَعا
يا بسمةً يَبِسَتْ، يا ضِحكةً سَكَنَت = يا نِسمةً عبَرتْ كَبارقٍ لمَعَ
يا زهرةً قُطفَتْ بالمَوتِ عاجَلَها = سحَّ الغَمامُ على قبرٍ لك الدَّمَعَ
ورحمةُ اللهِ تَغشاكُمُ أبدًا = وذِكرُكِ الحسَنُ بالخَيرِ لا انقَطَعَ